الأحد، ٤ شعبان ١٤٣٠ هـ

و حروف الرســالة .. محيها لشــتي


زخات المــطر فوق نافذتي..و هذا الخيط المتسلل عبرها من البرودة اللذيذة..صوت الرعد القوي الغـــامض و لـــون الســماء الرمادية التي تضيء بالبرق حينا بعد حين..موســـيقى المطر التي أعشـــقها أكثر من سيمفونيات بيتهوفن و إبداعات موزارت, و التي أعتبرها أعظم نشــوة تغســـل وجداني و روحي و تنبه إحساسي و تعـــزف فوق نهايات أعصــــــابي و... تدللنـــــــــــــــــي ...
أحب المــــــــطر..أعشــقه عشــــقا...لأننــــي...مخـــلوقٌ.. من مـــــــــــــــــــــــاء ...
حينما أصل إلي هذة الدرجة من النشـــوة و الســــعادة.. أتوشح معطفي الملقي في ركن الغـــرفة و الذي يدرك أنة قد حـــان موعــد مــــــــا في نزهة لاحقــــــة عبر نوافذ الـــروح....
من أجـــــمل الأحــداث التي حدثت لي مؤخـــرا هو إنتقـــالي إلي مســـكن جـــديد يقـــترب من إحـــدى المكتبات الكبيرة الغنية بالشهي و الممتع من شتي أنواع الثقـــافة و المعــــرفة... إنه ــ موعدي الخــــاص ــ الذي أســــــترقه للمكـــــــــوث طــويلا في ذلك ال ( غــــــــــــــــــــــــا
ر)...
يبدأ هذا الإحساس الرائع عندما أقترب من أبواب مكتبتي ...تتســـارع نبضات قلبي كأنني علي موعـــد مع عاشق مغـــــروم...أكــــاد أرتعــد فرحــا و أنتشــــاء كلما إزداد إقترابي...و عندمـــا تلج قدمـــاي أول خطوة داخل ردهــــــات الدار أشعــــر بلذة طــــاغية.. تماما مثل لذة ( النصــــر)...فهأنذا إلتقيتك يا ذاتـــي , لم تحرمني منك كل ضغوطـــات الحيـــاة و لم تثنيني عنـــك كل تلك الأغلال التي تســـرق مني عــمري و وجـــــــــــــــودي...
أتحــــرك بين صفوف المكتبة المتراصــــة كأنني أرقب آلافـــــــــا من الكائنـــــــات الروحانيــــــــة...
أشـــــــعر أن كل كـــاتب يطـــل من خلف كتـــابه..يبتســم.. يحيينـــــي بلطف بالـــغ و أمتنــــان..أشـــعر كأنني أري آلاف الأشخــــاص العظمــــــاء و قــد تجمعـــوا في دار للصـــفوة حيث ســــلام الروح و تحرر العقـــل و النفس في آفــــاق بلا حـــدود أو قيــــود...
أتنفــــــــــس الصــــعداء... يخرج كل غبار ضيقي مع أنفاسي.. أتخفف من جميع أعبـــــائي و أنســــى كل شــــيء عدى هذة الصــــحبة الرائعة و هـــؤلاء البشــــر المصطفــــون....
أســـــير بين الأرفف.. أتحسس الكتب في شغف شديد .. أركز قراءاتي للعناوين.. أتمعن فيها.. في إسم كاتبها..أغـــوص في هذا البعـــد العمــــيق الذي أوغل فيه الكــــاتب...ارافقـــه...أ
عــــــود بالزمن أو أســــــرع به في خطي تواكب خطواته...أحاذي عقـــله تماما و أســـترق النظر إلي عينيه بين الفينة و الفينة , فأنا أحرص علي ألا تفوتنــــــي.....هذة الصــــــحبة.....

في غمــــرة إغراقي في التأمل و التفكــــير..أيقظني فجأة خـــاطر سقطت معه سحابة من العتمـــة أمام عيني...لقـــد تلفتت حولي فإذا بالدار تكاد تخلــــو من الزائرين...لا بشـــر ... لا أحــــــــد ..... يا اللـــــــــــــــــــــه .....هل هذا معقــــول..؟؟؟؟؟!! كل هذا الكم الرائـــــــــــــع من الفـــكر و التحليــــــل و العمــــق و الفلســـــفة و التخطيـــــــط و العــــلم و الإبــــــداع المطلق .... كا هذا ــ الثـــــراء ــ لا أيدي تلمســـــه... لا أعين تراه .... ربــــــــاه... ما هذا الكابوس المزعــج...؟؟!!

أســـــتوقفتني كتب الفلســــفة..فإنني أعشـــقها..و يستهويني المغامرون في بحارها العميقــــة.. توقفت أمام إحدي الكتب المنتصـــبة في شـــموخ علي الرف المقابل..وجدتنــــــــــــ
ـــي ألقــي علي كاتبها التحيـــــة و ثمــــة إعظـــــام داخلي يجتاح جوانحي كأنني في رحاب مقدس...و بينما يتلاطم بداخلي مزيج من الحزن والأسي... أستجمعت كلمــــاتي الحــزينة و خلتني أســــأله في ودٍ و إشــــفاق "و مــــــــــاذاعن تلك ــ الرســـــــــــــالة ــ يا ســـيدي الجليــــل..؟؟!! كم من الســـنوات و الجهـــد و المعاناة قد أنفقتهــــا عن رضــــــــاً كي تقدم لنـــا هذا الإبداع الفكــــري المبهـــــر...؟؟.. و هل كنت تنتظـــــر أن تصـــل كلماتك و رســــالتك إلي كل عــــقل و أن تضيء بنبراســـــــــك دهاليز النفــــوس المظلمـــة و الأرواح الضـــالة فتصنع للبشــــرية حاضـــرا أجمــــل و مســـتقبلا أروع و فتستنير ظلمــــة الدروب المحــــــــــــــــــالة...؟؟؟ "

ـــ نعــــــــــــــــــــم...

أجــــــابني صـــــوت خفي يتردد صداه في جــوانب المكـــان, ثم أستطرد بنفس نبرته الهــــادئة " كـــــــان ذلك بغيتي و مـــرادي و لكنني رغمـــا عن هذا الصــــدود .. لســــت متبرمـــا و لا ناقمـــا و لا مبتـــــــئســا..."

تعجبت من رد الفيلســـــوف و أنتابتني الدهشــــــــة لما سمعت.. إلا أنه تداركني بمواصلة الحديث حين أستشعر هذا الذهول الذي إرتسم علي ملامحي " يا صديقتي...أنني في المقام الأول مثلي مثل ــ كل المبدعين الأصلاء ــ لا نكتب فقط من أجل الإنســــانيه ــ برغم عظمـــــة تلك الرســـالة و نبلها الشديد ــ و لكن ثمــــة شيء آخــــر يدفعنـــــا... إننــــــا نكتب ( أنفســـــــــــــــــــــن
ا ) ...لأن الكتابة خُـــــــــلُقٌ متأصـــــــل فينا... وظيفــــــة مثل كل وظائف الأعضـــــاء لا نحيـــــا بدونــــها...أننا نتواصل مع الحياة عبر الكتابة .... فإن ما يميز الكاتب الحقيقي عن غيره من البشــــر أنه ثــــــمة ينبوع دافق ـــ لا تراه العيــــــون ـــ يســـري عبر شـــرايين روحــــــه ..فلا يســـعه إلا أن يفتح له الســـــبل و يمنحه حرية التدفق في سلام كي ينساب لحنا خالدا في جنبات الوجود... أن خُـــــــــلق الكتابة في الكاتب الأصـــيل ( إجبـــــــــار) و ليس إختيـــــــــــــــــار... و إنها لنعمـــة ينعم بها أصحابها و يشقي بها من جهلوها.. و هل أبلغ علي قيمــــة الكلمة من قول المولــــى ــ سبحانه و تعالي ــ حين يقســـــــــــم بالقلم " ن . و القـــــلم و ما يســـــــطرون " و قول رسول الله ـ صلي الله عليه و سلم ـ " إن من البيــــــــــــــان....لســــحرا " و كوننا أمة ( إقـــــــرأ) التي لم يكن ذكرها كأول كلمة في القرآن الكريم إلا لمغــــزىً عميق و دلالة كبرى ... فلا تبتئسي يا صديقتي, و أنعمي برحلتك القصيرة في هذا العالم الجميل و أرتشفي قطرات من هذا البحر العميق و أروي روحك بزاد من النور المذاب.... ولا عليك من المحرومين و الجهلاء و الغافلين ممن حرموا متعة الروح و سلام النفس... ثم أنهى حديثة بنفس تلك الإبتسامة التي ترافقت في ذهني بينما تتلاشى مع أبتســـامة ( الموناليـــــزا ) الرائعة.. ووجدتني أبتسم بهــــــــدوء و أنا ألملم بعض الكتيبات الصغيرة و بعض الأوراق بينما أسترجع كلمات الفيلســـــوف..!!!


أحتضنت أوراقي و كتبي و أقتربت أرقب عبر الزجـــاج ذرات المطــــر في عمق و شـــرود بينما تتمتم ( فيـــروز ) عبرلحنهـــــا الأثير.. يصدح صوتها في الفضـــاء الكامن بداخلي يضوي صداه رائعـــا...
جليـــــــــــا..
نــــــــــــديـا...
مفعمـــــا بالجمـــــال...
بالوجــــــــــــــــــود.
.. و كأنمــــــا كانت تجيب سؤالا حائرا بداخلي و دون أن تدري... تدفق صوتها الملائكي كانه يجيب خاطرتي...

و حــــــــــــــــــــروف ـــ الرســـــــــــــــــــالة
ــــ
محيهــــــــــــــــــــــ
ــا.... الشــــــــــتي.......!!!!!

تبينت اليوم لأول مـــرة هذا التشـــابة العجيب بين البشـــــــر ... و الأشـــياء ...!!
حقا..إن هذا التباين في الخلائق لهـــو شيء مثيـــــرٌ للغــــاية ...فقد تجد بشرا معطـــــائين... متدفقين ... أبلغ القول فيهم أنهم يشبهون الأنهــــار الفياضة أو الشمــــوس الســـاطعة ... أمثـــال هؤلاء البشر الذين فطـــروا علي العطــــاء ــــ و الذين يمثل هذا العطـــاء طبعــــا متأصلا فيهم و ليس مجرد صفة مكتسبة أو مؤقتة ــــ لا تثنيهم الظروف و التغيرات عن كينونتهم الحقيقية التي تمثل ذات الوجود بالنسبة لهـــــــم... و علي النقيض تماما , فهناك بشــر.. مختلفون ذوي طبيعة ترابية ـــ محايــــدون ـــ مثل التربة ... لا يفعلون و لكنهم يستجيبون لما تبذره فيهم أيدي الآخرين إذ ينمو الحصـــاد تلقائيا بفعل طبيعة الإستقبال... ثم الإنفعال ... أمثال هؤلاء البشـــر أيضـــا يعطون , و لكنه عطــــاء مشـــروط ..!! عطــــاء... بمقابل و ظروف و عوامل مساعدة مهيئة ( لطبيعتهم ) الخاصة و ليس لرغبة الآخرين مهما فعلوا أو حاولوا...
و هناك أيضا إنـــــــاس ــ نــــــاريون ــ في طبائعهم.. فهم يستهلكون الآخـــرين... يحرقون كل من يقترب منهم ...يستنفذونه بالإستغلال و الإستنزاف المـــادي و المعنــــوي...بل قد يزداد شـــرهم لأذي الآخرين.. لأنهم ذوي طبيعة ( شيطــــانية ) غير ســــوية و نفوس ــ غير مطمئنة ــ تهدر بين جوانحهم نوازع الشــــــر..و يؤرقهم أمن الآخرين , و يؤذي عيـــونهم اللون الأخضــــر المنســـاب عبر أغصـــان الزيتون .....
توقفت قليلا لأحتسي فنجانا صغيرا من القهوة ... فهي عادة رفيقتي في كل رحلة إلي مدائن العجائب كما أعتدت أن أسميها إقتداء بصديقتي ( أليــــــس )...كانت أنغام أغنية فيروز الرائعة لا تزال تغزو أرجاء المكان ...تفترش أرض الردهـــات , ثم تصعد نحو الحوائط..ثم تغطي الأسقف لتلف المكان بهالة من الخيال و السحر و تتقطر عطرا فوق سماء تلك الأرواح النبيلة في عالم من... سلام ... تـــــــــــــــــــــــــ
ــــــــام

حبيتك....بالصيف
حبيتك...بالشتي..
و نطـــرتك..بالصيف
نطـــرتك... بالشتي
و عيــــــــونك الصيف
و عيون الشـــــتي
ملآنــــــــه يا حبيبي
خلف الصيف و خلف الشتي....

سبحـــان اللــــــــــــه...
يكاد يكون الكون شبكه متصـــــله بين الموجودات..بشـــر بطبائع النبات..و بشر بطبائع الكواكب ــ بشر (للأسف) بطبائع الحيوان ..يماثلون علي إختلافهم في طبيعتهم أنواعـــا و أشكالا غير معدودة و لا محصــــــاه...تتزايد أعداد طوائفها بإختلاف تصنيف الكائنات و تتشعب النسب بين الخير و الشر فيهم بقدر تفاعلهم و تشابههم بمختلف الكائنات الأخري الموجوده في هذا الكون الواسع...الرحيب..
رفعت رأسي هنيهة بعد تلك الإطراقة الطويلة.. أحسست أن ثمـــــــــــة روح طيبــــــــة ... كانت ترافق أفكاري و تحاورني...!!!
و لكـــــأنما كانت ترقبني...
عيــــــــــــــــــــون..
..الفيلســــــــوف...!!!!!

هناك تعليق واحد:

  1. ما أبهي من ذلك يطلب منصف ليتك تجمعينهم في ألبوم صوتي خالص الود والتحيه

    ردحذف